خطبة الجمعة القادمة: “عوامل بناء الأمم وتقدمها”، للدكتور خالد بدير
خطبة الجمعة القادمة: “عوامل بناء الأمم وتقدمها”، للدكتور خالد بدير، بتاريخ 12 من ذي القعدة 1438هـ الموافق 4 من أغسطس 2017م.
لتحميل الخطبة بصيغة word أضغط هنا.
لتحميل الخطبة بصيغة pdf أضغط هنا.
ولقراءة الخطبة كما يلي:
خطبة الجمعة القادمة: عوامل بناء الأمم وتقدمها
عناصر الخطبة:
العامل الأول: العمل واستثمار الطاقات المعطلة مع تقديم الكفاءات
العامل الثاني: نشر العلم والوعى الثقافي بين أفراد الأمة
العامل الثالث: غرس مكارم الأخلاق في نفوس أفراد المجتمع
العامل الرابع: التنشئة الأسرية السوية
العامل الخامس: مواجهة الدعوات الهدامة وتطهير العقول من الأفكار المتطرفة
العامل السادس: الوحدة والاجتماع
العامل السابع: التضحية من أجل الوطن
المقدمة: أما بعد:
عباد الله: لقد خلق اله الإنسان وكرمه وفضله على سائر الكائنات وأمره بعمارة الأرض وإقامة شرعة الله فيها؛ وهذا الأمر يتطلب عدة عوامل لإقامة الأمم القوية الرشيدة المتينة المتقدمة في جميع مجالات الحياة؛ وهذه العوامل تتمثل فيما يلي:
العامل الأول: العمل واستثمار الطاقات المعطلة مع تقديم الكفاءات
فالعمل والاستثمار أساس بناء الأمم ؛ لذلك حث الإسلام على السعي والاستثمار والكسب من أجل الرزق وبناء الدول؛ قال تعالي: { هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ } ( الملك: 15)؛ ويقرر الإسلام أن حياة الإيمان بدون عمل واستثمار هي عقيم كحياة شجر بلا ثمر ، فهي حياة تثير المقت الكبير لدي واهب الحياة الذي يريدها خصبة منتجة كثيرة الثمرات.
فيجب على المسلم أن يكون وحدة إنتاجية طالماً هو على قيد الحياة، ما دام قادراً على العمل، بل إن قيام الساعة لا ينبغي أن يحول بينه وبين القيام بعمل منتج، وفي ذلك يدفعنا النبي صلى الله عليه وسلم دفعاً إلى حقل العمل والاستثمار وعدم الركود والكسل فيقول: ” إذا قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة، فإن استطاع ألا يقوم حتى يغرسها فليغرسها فله بذلك أجر” [ أحمد والبخاري في الأدب المفرد]، كما حث الإسلام على اتخاذ المهنة للكسب مهما كانت دنيئة فهي خير من المسألة، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:” لَأَنْ يَغْدُوَ أَحَدُكُمْ فَيَحْتَطِبَ عَلَى ظَهْرِهِ فَيَتَصَدَّقَ مِنْهُ فَيَسْتَغْنِيَ بِهِ عَنْ النَّاسِ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَسْأَلَ رَجُلًا أَعْطَاهُ أَوْ مَنَعَهُ ذَلِكَ فَإِنَّ الْيَدَ الْعُلْيَا أَفْضَلُ مِنْ الْيَدِ السُّفْلَى وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ” (الترمذي وحسنه).
لذلك كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يهتم بالعمل والاستثمار والترغيب فيه فيقول: ما من موضع يأتيني الموت فيه أحب إلىَّ من موطن أتسوق فيه لأهلي أبيع وأشتري، وكان إذا رأي فتى أعجبه حاله سأل عنه: هل له من حرفة ؟ فإن قيل : لا. سقط من عينيه .وكان إذا مدح بحضرته أحد سأل عنه: هل له من عمل؟ فإن قيل: نعم .قال: إنه يستحق المدح. وإن قالوا: لا. قال: ليس بذاك. وكان يوصي الفقراء والأغنياء معاً بأن يتعلموا المهنة ويقول تبريرا لذلك: يوشك أن يحتاج أحدكم إلى مهنة، وإن كان من الأغنياء. وكان كلما مر برجل جالس في الشارع أمام بيته لا عمل له أخذه وضربه بالدرة وساقه إلى العمل والاستثمار وهو يقول: إن الله يكره الرجل الفارغ لا في عمل الدنيا ولا في عمل الآخرة.”(إحياء علوم الدين – الإمام أبو حامد الغزالي).
عباد الله: إن القلب ليحزن حينما يري الشباب وهم في أعز قواهم العقلية والجسدية ومع ذلك يفني الشباب قوته وشبابه في الفراغ وفي كل ما حرم الله تبارك وتعالي من ملاهٍ ومشارب وخمور ومجون وغير ذلك؛ ولو لم يكن الإنسان في حاجة إلى للعمل، لا هو ولا أسرته، لكان عليه أن يعمل للمجتمع الذي يعيش فيه فإن المجتمع يعطيه، فلابد أن يأخذ منه، على قدر ما عنده.
يُروى أن رجلاً مر على أبي الدرداء الصحابي الزاهد – رضي الله عنه- فوجده يغرس جوزة، وهو في شيخوخته وهرمه، فقال له: أتغرس هذه الجوزة وأنت شيخ كبير، وهي لا تثمر إلا بعد كذا وكذا عاماً ؟! فقال أبو الدرداء: وما عليَ أن يكون لي أجرها ويأكل منها غيري!!
وأكثر من ذلك أن المسلم لا يعمل لنفع المجتمع الإنساني فحسب، بل يعمل لنفع الأحياء، حتى الحيوان والطير، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: ” مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَغْرِسُ غَرْسًا أَوْ يَزْرَعُ زَرْعًا فَيَأْكُلُ مِنْهُ طَيْرٌ أَوْ إِنْسَانٌ أَوْ بَهِيمَةٌ إِلَّا كَانَ لَهُ بِهِ صَدَقَةٌ” [البخاري]، وبذلك يعم الرخاء ليشمل البلاد والعباد والطيور والدواب.
إذن فالإسلام قد حث على العمل والكسب والاحتراف والاستثمار، وأن الأمة الإسلامية غنية بما وهبها الله من موارد وطاقات وأن هذه الموارد وتلك الطاقات ، لو استغلت استغلالاً صحيحاً في حدود القيم والأخلاق وفي حدود التخطيط السديد لأصبحت من أغني أغنياء العالم ، فتقدمها ونماءها وازدهارها مصحوب بالقيم الأخلاق أولاً، وبالجد والسعي والعمل ثانياً ، فهذان ميزانان بهما ترقي الأمة وتتقدم. وبانعدامهما تتخلف وتصاب بانحطاط مادي وخلقي وكفي بالواقع المعاصر على ذلك شهيداً.
ويجب على العامل أن يراقب الله في جميع أعماله وأحواله وأقواله وأفعاله وحركاته وسكناته؛ لأن الله أقرب إليك من حبل الوريد ؛ قال تعالي: { وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ} (ق: 16).
” قال ابن الجوزيّ- رحمه اللّه-: الحقّ عزّ وجلّ- أقرب إلى عبده من حبل الوريد. لكنّه عامل العبد معاملة الغائب عنه البعيد منه، فأمر بقصد نيّته، ورفع اليدين إليه، والسّؤال له. فقلوب الجهّال تستشعر البعد، ولذلك تقع منهم المعاصي، إذ لو تحقّقت مراقبتهم للحاضر النّاظر لكفّوا الأكفّ عن الخطايا. والمتيقّظون علموا قربه فحضرتهم المراقبة، وكفتهم عن الانبساط” ( صيد الخاطر).
فيا أيها العامل، إن عينَ اللهِ تلاحقُك أين ما ذهبت، وفي أي مكان حللت، في ظلامِ الليل، وراء الجدران، في الخلوات في الفلوات، ولو كنتَ في داخلِ صخورٍ صم، هل علمتَ ذلك، واستشعرتَ ذلك فاتقيتَ اللهَ ظاهراً وباطنا، فكانَ باطنُك خيرُ من ظاهرِك.
إذا ما خلوت الدهرَ يوما فلا تقل……خلوتُ ولكن قل علي رقيبُ
ولا تحسبنَ اللهَ يغفلُ ساعةً………..ولا أن ما تخفيه عنه يغيبُ
كما يجب تقديم الكفاءات في العمل إذا كنا نريد النهوض ببلدنا ومصرنا ؛ فمصر بها عدد لا بأس به من المواهب والقدرات؛ وأن جميع دول العالم تستعين بالخبرات المصرية في جميع مجالات الحياة؛ ومن الملاحظ أن العلماء البارعين في علوم الذرة والعلوم الكونية والهندسية والطبية دائما يقيمون في بلاد الخارج؛ لأنهم يجدون تقديرا ماديا ومعنويا في البلاد التي يقيمون بها؛ فكيف نهمشهم ولا نقدرهم ونطالب ببناء دولة وأمة ؟!!!
لذلك شدد صلى الله عليه وسلم في أمر تقديم الكفاءات أيما تشديد؛ فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنِ اسْتَعْمَلَ رَجُلا مِنْ عِصَابَةٍ وَفِي تِلْكَ الْعِصَابَةِ مَنْ هُوَ أَرْضَى لِلَّهِ مِنْهُ فَقَدْ خَانَ اللَّهَ وخانَ رَسُولَهُ وخانَ الْمُؤْمِنِينَ» ( الحاكم وصححه ).
وقَالَ أيضا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ” مَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ الْمُسْلِمِينَ شَيْئًا ، فَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ أَحَدًا مُحَابَاةً ، فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ ، لَا يَقْبَلُ اللَّهُ مِنْهُ صَرْفًا وَلَا عَدْلًا ، حَتَّى يُدْخِلَهُ جَهَنَّمَ” ( أحمد والحاكم).
العامل الثاني: نشر العلم والوعى الثقافي بين أفراد الأمة
فقد اهتم الإسلام بقيمة العلم أيما اهتمام، ولقد بلغت عناية الله – عز وجل – بنا لرفع الجهل عنّا أن كان أول ما نزل من الوحي على نبينا أعظم كلمة هبط بها جبريل هي قوله تعالى:{اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ}(العلق:1) ؛ وأمرُ الله عز وجل بالقراءة والعلم في أول آية نزلت من القرآن دليل واضح على أهمية العلم في تكوين عقل الإنسان وفي رفعه إلى المكانة السامية، فلا يستوي عند الله الذي يعلم والذي لا يعلم، فأهل العلم لهم مقام عظيم في شريعتنا الغراء، فهم من ورثة الأنبياء والمرسلين، يقول الله تبارك تعالى: {هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ} (الزمر: 9) ، فلا يستوي الذي يعلم والذي لا يعلم، كما لا يستوي الحي والميت، والسميع والأصم، والبصير والأعمى، فالعلم نور يهتدي به صاحبه إلى الطريق السوي، ويخرج به من الظلمات إلى النور.؛ ويرفع الله الذي يطلب العلم والذي يعمل به كما يشاء، قال تعالى: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} (المجادلة: 11).
إن العلم أساس نهضة الأمة وقيام الحضارات؛ فبالعلم تبنى الأمجاد، وتَسُود الشعوب، وتبنى الممالك، بل لا يستطيع المسلم أن يحقق العبودية الخالصة لله تعالى على وفق شرعه، فضلاً عن أن يبني نفسه كما أراد الله سبحانه أو يقدم لمجتمعه خيراً، أو لأمته عزاً ومجداً ونصراً – إلا بالعلم؛ وما فشا الجهل في أمة من الأمم إلا قوض أركانها، وصدَّع بنيانها، وأوقعها في الرذائل والمتاهات المهلكة.
وكما قيل: العلم يبني بيوتا لا عماد لهـا …………… والجهل يهدم بيوت العز والكـرم
ويبلغ من فضل العلم أنه يرفع قدر أناس ليس لهم حسب ولا نسب فوق كثير من الأكابر؛ فقد روى أن نافع بن عبد الحارث أمير مكة خرج واستقبل عمر بن الخطاب بعسفان، فقال له عمر: من استخلفت على أهل الوادي؟ قال: استخلفت عليهم ابن أبزى، فقال عمر: ومن ابن أبزى؟! فقال: رجل من موالينا، فقال عمر: استخلفت عليهم مولى؟ فقال: إنه قارئ لكتاب الله عالم بالفرائض، فقال عمر: أما إن نبيكم قد قال: “إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواما ويضع به آخرين.”
أحبتي في الله: إن من عومل النهوض بالأمة في المجال العلمي أن نهتم بالمعلم والمربي وأن نشكر جهوده، ونؤدي إليه بعضاً من حقه، وأن نعرف له قدره واحترامه وفضله.
إنَّ المُعلِّم والطَّبِيبَ كِلَيهِما ………………….لا يَنْصَحانِ إِذا هُما لَمْ يُكْرَما
فاصْبِرْ لِدائِكَ إِنْ أَهَنْتَ طَبِيبَهُ ……………….وَاصْبِرْ لِجَهْلِكَ إِنْ جَفَوْتَ مُعَلِّماً
إن نهضة الأمة منوط بتربية أجيال على علم وتحمل المسئولية؛ وما اختلت موازين الأمة، وفسد أبناؤها إلا حينما ضاع الأبناء بين أبٍ مفرط لا يعلم عن حال أبنائه، ولا في أي مرحلة يدرسون، ولا مع من يذهبون ويجالسون، ولا عن مستواهم التحصيلي في الدراسة – وبين مدرس خان الأمانة، وتهاون في واجبه، ولم يدرك مسؤوليته؛ فدور الأسرة عظيم في غرس هذه القيم في نفوس أبنائها فهم مسئولون عنهم يوم القيامة!!
العامل الثالث: غرس مكارم الأخلاق في نفوس أفراد المجتمع
عباد الله: إن للأخلاق أهمية كبرى في الإسلام، فالخلق من الدين كالروح من الجسد، والإسلام بلا خلق جسدٌ بلا روح، فالخلق هو كلُّ شيء، فقوام الأمم والدول والحضارات بالأخلاق وضياعها بفقدانها لأخلاقها، قال الشاعر أحمد شوقي:
إنما الأممُ الأخلاقُ ما بقيت …………فإن همو ذهبت أخلاقهم ذهبوا
وقال: وَإِذا أُصـــيــبَ الـــقَــومُ فـــــي أَخــلاقِــهِـم………. فَـــــأَقِـــــم عَـــلَـــيــهِــم مَــــأتَـــمـــاً وَعَـــــويــــلا
وقال: صَـلاحُ أَمْـرِكَ لِلأَخْـلاقِ مَرْجِعُـهُ…………… فَقَـوِّمِ النَّفْـسَ بِالأَخْـلاقِ تَسْتَقِـمِ
ولأهمية الأخلاق أصبحت شعاراً للدين ( الدين المعاملة ) فلم يكن الدين صلاة ولا زكاة ولا صوم فحسب.
قال الفيروز آبادي -رحمه الله تعالى-: “اعلم أن الدين كله خلق، فمن زاد عليك في الخلق؛ زاد عليك في الدين”.
وهكذا تظهر أهمية الأخلاق ومكانتها في الرسالة المحمدية حتى أصبحت شعاراً للدين تمثله كله.
أيها المسلمون: إن العامل الأكبر في بناء الحضارات وانتشار الإسلام في عصر النبي والصحابة والسلف الصالح إنما هو مكارم الأخلاق الكريمة التي لمسها المدعون في هذا الجيل الفذ من المسلمين، سواء كانت هذه الأخلاق في مجال التجارة من البيع والشراء، مثل الصدق والأمانة؛ أو في مجال الحروب والمعارك، وفي عرض الإسلام عليهم وتخييرهم بين الإسلام أو الجزية أو المعركة، أو في حسن معاملة الأسرى، أو عدم قتل النساء والأطفال والشيوخ والرهبان، هذه الأخلاق دفعت هؤلاء الناس يفكرون في هذا الدين الجديد الذى يحمله هؤلاء، وغالبًا كان ينتهي بهم المطاف إلى الدخول في هذا الدين وحب تعاليمه، ومؤاخاة المسلمين الفاتحين في الدين والعقيدة!!
هذه الأخلاق أثارت إعجاب الباحث الفرنسي كليمان هوارت حيث يقول : “لم يكن محمدٌ نبياً عادياً ، بل استحق بجدارة أن يكون خاتم الأنبياء ، لأنه قابل كل الصعاب التي قابلت كل الأنبياء الذين سبقوه مضاعفة من بني قومه … نبي ليس عادياً من يقسم أنه “لو سرقت فاطمة ابنته لقطع يدها” ! ولو أن المسلمين اتخذوا رسولهم قدوة في مكارم الأخلاق لأصبح العالم مسلماً”
فعلينا أن نتحلى بحسن الخلق وبسط الوجه وحب الآخرين؛ وما أجمل قول ابن حبان: “الواجب على العاقل أن يتحبب إلى الناس بلزوم حسن الخلق، وترك سوء الخلق، لأن الخلق الحسن يذيب الخطايا كما تذيب الشمس الجليد، وإن الخلق السيء يفسد العمل كما يفسد الخل العسل، وقد تكون في الرجل أخلاق كثيرة صالحة كلها، وخلق سيئ، فيفسد الخلق السيئ الأخلاق الصالحة كلها”.
أيها المسلمون: إننا في حاجة إلى أن نقف وقفة مع أنفسنا وأولادنا وأهلينا في غرس مكارم الأخلاق والتحلي بها ؛ نحتاج إلى نولد من جديد بالأخلاق الفاضلة؛ نحتاج إلى نغير ما في أنفسنا من غل وحقد وكره وبخل وشح وظلم وقهر ودفن للقدرات والمواهب إلى حب وتعاون وإيثار وعدل ومساواة ورفع الكفاءات؛ إذا كنا نريد حضارة ومجتمع وبناء دولة !!! فهل لذلك أذن واعية ؟!!
العامل الرابع: التنشئة الأسرية السوية
فالمجتمع عبارة عن أسر ؛ فلو أن كل واحد منا أنشأ أسرة سوية متينة فمن مجموع هذه الأسر نبني دولة وأمة ومجتمعاً قوياً متماسكاً.
عباد الله: إن للأسرة دورًا كبيرًا في رعاية الأولاد – منذ ولادتهم – وفي تشكيل أخلاقهم وسلوكهم، وما أجمل عبارة : ” إن وراء كل رجل عظيم أبوين مربيين”، وكما يقول بعض أساتذة علم النفس : “أعطونا السنوات السبع الأولى للأبناء نعطيكم التشكيل الذي سيكون عليه الأبناء”. وكما قيل : “الرجال لا يولدون بل يُصنعون”.
ولقد فطن الغرب إلى أهمية الأسرة في بناء المجتمع والأمم والدول والحضارات، واعتبروا هدم الأسرة هدما للحضارة كلها.
يقول أحد المستشرقين: إذا أردت أن تهدم حضارة أمة فهناك وسائل ثلاث هي:
1- اهدم الأسرة……………. 2- اهدم التعليم…………………… 3- أسقط القدوات.
* لكي تهدم الأسرة: عليك بتغييب دور (الأم) اجعلها تخجل من وصفها بـ”ربة بيت”
* ولكي تهدم التعليم: عليك بـ (المعلم) لا تجعل له أهمية في المجتمع وقلل من مكانته حتى يحتقره طلابه.
* ولكي تسقط القدوات: عليك بـ (العلماء والآباء) اطعن فيهم قلل من شأنهم، شكك فيهم حتى لا يسمع لهم ولا يقتدي بهم أحد.
فإذا اختفت (الأم الواعية)، واختفى (المعلم والأب المخلص)، وسقطت (القدوة)؛ فمن يربي النشء على القيم؟!
إذن تبدأ المسؤولية والأهمية من الأسرة، فالأسرة التي تربي أبناءها وتنمي قدراتهم وتغرس في نفوسهم حب الخير وحب الناس وحب العمل وحب الوطن والتمسك بالأخلاق والشمائل الإسلامية، والدفاع عن الوطن من الأعداء والحاسدين، إنما هي تقوم ببناء المجتمع.. أما تلك الأسرة التي لا تهتم بأبنائها وتترك لهم الحبل على الغارب ولا تنشئهم تنشئة اجتماعية سليمة، إنما هي تهدم المجتمع.
العامل الخامس: مواجهة الدعوات الهدامة وتطهير العقول من الأفكار المتطرفة
فمن أهم وسائل بناء الدولة مواجهة الإرهاب وتطهير عُقول الشباب من الأفكار المتطرفة؛ لأنَّ الناس لو استقامتْ عقولهم، صاروا يُفكِّرون فيما ينفَعُهم ويبتَعِدون عمَّا يضرُّهم، إذًا هناك علاقةٌ كبيرة بين المحافظة على عقول الناس وبين استقرار الأمن عندهم؛ لأن مما يذهب بأمن الناس انتشار المفاهيم الخاطئة حيال نصوص القرآن والسنة، وعدم فهمهما بفهم السلف الصالح، وهل كُفِّر الناس وأريقت الدماء وقُتل الأبرياء وخُفرت الذمم بقتل المستأمنين وفُجِّرت البقاع إلا بهذه المفاهيم المنكوسة؟!!
فعلينا أن نحافظ على أولادنا من الانزلاق في مهاوي الرذيلة والانجراف في الفكر التكفيري المنحرف، ونقول للغلاة أهل الغلظة والجفاء، متبعي الأخطاء المستهزئين بالعلماء، الخارجين على إجماع الأمة، نقول لكل مشترك في هذه الجرائم البشعة سواء بجلب هذه المتفجرات أو الإعانة على نقلها أو التواطؤ في تهريبها أو السكوت على أصحابها: توبوا إلى الله توبة نصوحًا، واعترفوا بأخطائكم، وعودوا إلى رشدكم، اتقوا الله في أنفسكم، اتقوا الله في دماء المسلمين، اتقوا الله في الأبرياء، واتقوا يومًا ترجعون فيه إلى الله، وفي ذممكم دماء لأرواح بريئة، فماذا أنتم قائلون ؟! وما هي حجتكم إذا وقفتم حافية أقدامكم؛ عارية أجسامكم؛ شاخصة أبصاركم؛ بين يدي الله أحْكَمِ الحاكمين؟!!
يا شباب الإسلام: إياكم وهذه الدعوات الخطيرة التي تدعو إلى التكفير والتفجير، واعلموا أن من أعظم الواجبات الرجوع لأهل العلم الموثوق بعلمهم فيما يُشكل عليكم لأن الله جعلهم هداة مهتدين؛ ونسأل الله أن يجتث هذه الأفكار الدخيلة من بيننا!!
العامل السادس: الوحدة والاجتماع
فوحدة الصف ووحدة الأمة عامل قوي وفعال في بناء الدولة؛ فعلينا أن نتحرّر من الفرقة والتشاحن والتباغض والتقاتل والتحزب بالصلح والمصافحة والمصالحة .. والتنازل والمحبة .. والأخوة حتى تعود المياه إلى مجاريها ..يجب علينا أن نكون صَفًّا واحدًا مُتلاحِمًا كالبنيان المرصوص مع ولاة أمرنا وعلمائنا في استتباب الأمن والقضاء على هذه الظواهر المفزعة والأحداث المفجعة واستئصال شأفتها، يجب أن نكون جميعًا يدًا واحدة عَيْنًا ساهرةً مع رجال الأمن للحفاظ على ديننا وبلادنا وأمننا، ومنهجُنا منهجُ الوسطية والاعتدال، ونصيحتي للشباب وفلذات الأكباد ألا ينخدعوا بالأفكار الهدامة، والمناهج الضالة، وألا ينساقوا وراء حرب الشبهات التي يروجها مَن قَلَّ فَهْمُه، وضل سَعْيُه.
إنني أدعو جميع أطياف المجتمع إلى الاجتماع والاعتصام والوحدة، فالاجتماع والاتفاق سبيل إلى القوة والنصر، والتفرق والاختلاف طريق إلى الضعف والهزيمة ، وما ارتفعت أمة من الأمم وعلت رايتها إلا بالوحدة والتلاحم بين أفرادها، وتوحيد جهودها، والتاريخ أعظم شاهد على ذلك، ولذا جاءت النصوص الكثيرة في كتاب الله عز وجل، وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- تدعو إلى هذا المبدأ العظيم، وتحذر من الاختلاف والتنازع ومنها قوله تعالى: {وأطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين} (الأنفال:46).
وفي حديث أبي مسعود: “كان رسول الله – صلى الله عليه وسلم- يمسح مناكبنا في الصلاة ، ويقول: استووا ولا تختلفوا فتختلف قلوبكم” (رواه مسلم).
العامل السابع: التضحية من أجل الوطن:
وهذا من أهم عوامل بناء الدولة؛ أن يضحي كل فرد في المجتمع بحسب عمله ومسئوليته؛ فيضحي الطبيب من أجل حياة المريض؛ ويضحي المعلم من أجل تعليم وتنشئة الأولاد؛ ويضحي المهندس من أجل عمارة الوطن؛ ويضحي القاضي من أجل إقامة وتحقيق العدل؛ ويضحي الداعية من أجل نشر الوعي والفكر الصحيح بين أفراد المجتمع وتصحيح المفاهيم المغلوطة والأفكار المنحرفة؛ وتضحي الدولة من أجل كفالة الشعب ورعايته؛ ويضحي الأب من أجل معيشة كريمة لأولاده؛ ويضحي الجندي من أجل الدفاع عن وطنه؛ ويضحي العامل من أجل إتقان عمله؛ وتضحي الأم من أجل تربية أولادها..إلخ….
إننا فعلنا ذلك فإننا ننشد مجتمعا فاضلا متعاونا متكافلا تسوده روابط المحبة والإخلاص والبر والإحسان وجميع القيم الفاضلة.
أيها المسلمون: وقبل أن أختم هذا اللقاء أذكركم بأن الرسول صلى الله عليه وسلم هاجر من مكة إلى المدينة ولم يكن هناك دولة ؛ فأقام دولته في المدينة على ثلاثة أسس رئيسة؛ الأساس الأول: المسجد ؛ والأساس الثاني: المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار ؛ والأساس الثالث: المعاهدات بين المسلمين وغير المسلمين !!
وهنا وقفة: لماذا ركز النبي صلي الله عليه وسلم على هذه الأسس الثلاث مع أن في الإسلام أسساً غيرها كثيرة ؟!!!
والجواب: أن هذه الأسس الثلاث هي أساس بناء الدول؛ وربطٌ للصلة من جوانبها الثلاثة :
فالمسجد ليربط صلة وعلاقة العبد بربه.
والمؤاخاة بين المهاجرين والأنصار لتربط علاقة المسلم بأخيه المسل.
والمعاهدات بين المسلمين وغيرهم لتربط علاقة المسلم بغير المسلم.
فإذا كانت علاقة المسلم بربه قوية وإيمانه عميق وذلك من خلال المسجد؛ وكانت علاقة المسلم بأخيه المسلم قائمةً على التعاون والإيثار والمحبة والتشارك؛ وكانت علاقة المسلم بغير المسلم قائمة على التعايش السلمي والتسامح؛ فلا شك أننا نبني وطناً قوياً متماسك الأركان والبنيان؛ يشد بعضه بعضا؛ إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالسهر والحمى!!
ولهذه الأسباب كان تركيز النبي – صلى الله عليه وسلم – على هذه الأسس الثلاثة في بناء الدولة الإسلامية !!
والناظر إلى العوامل التسع سالفة الذكر يجد أن النبي – صلى الله عليه وسلم – جمعها في هذه الأسس الثلاث ؛ فمنها تتفرع وإليها ترجع وتعود !!
نسأل الله بمنِّه وكرمه أن يديم علينا نِعَمه، وأن يعز هذه البلاد ويجعلها آمنة مطمئنة سخاءً رخاءً وسائر بلاد المسلمين، وأن يكف البأس عنا وعن جميع المسلمين، إنه خير مسئول، وأقرب مجيب؛؛
الدعاء،،،، وأقم الصلاة،،،،
كتبه : خادم الدعوة الإسلامية
د / خالد بدير بدوي